کد مطلب:168300 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:230

مقتل مولانا ابی الفضل العباس
كان مولانا أبوالفضل العباس بن أمیرالمؤمنین (ع) أكبر أولاد علیّ (ع) من أمّهم أمّ البنین فاطمة بنت حزام الكلابیة (رض)، وقد ولد فی الرابع من شعبان سنة ست وعشرین للهجرة، وكان عمره الشریف عند استشهاده أربعاً وثلاثین سنة. [1] .

وكان صلوات اللّه علیه عماد وركیزة الجیش الحسینی فی كربلاء، وقد أعطاه الامام الحسین (ع) رایته یوم عاشوراء: (لانه وجد قمرالهاشمیین أكفأ ممّن معه لحملها، و أحفظهم لذمامه، وأرأفهم به،وأدعاهم إلی مبدئه، وأوصلهم لرحمه، وأحماهم لجواره، وأثبتهم للطعان، و اربطهم جأشاً، واشدّهم مراساً). [2] .


قال الدینوری: (بقی العبّاس بن علیّ قائماً أمام الحسین یقاتل دونه، ویمیل معه حیث مال). [3] قال الشیخ المفید(ره): (وحملتِ الجماعة علی الحسین (ع) فغلبوه علی عسكره، واشتدّ به العطش، فركب المُسنَّاة یرید الفرات، وبین یدیه العبّاس أخوه، فاعترضته خیل ابن سعد وفیهم رجل من بنی دارم فقال لهم: ویلكم حولوا بینه وبین الفرات ولاتمكّنوه من الماء! فقال الحسین (ع): أللّهمّ أظمئه.

فغضب الدارمیّ ورماه بسهم فأثبته فی حَنَكِه، فانتزع الحسین (ع) السهم، وبسط یده تحت حنكه فامتلات راحتاه بالدّم! فرمی به ثمّ قال: اللّهمّ إنّی أشكو إلیك مایُفعل بابن بنت نبیّك! ثمّ رجع إلی مكانه وقد اشتدّ به العطش، وأحاط القوم بالعبّاس فاقتطعوه عنه، فجعل یقاتلهم وحده حتّی قُتل رضوان اللّه علیه وكان المتولّی لقتله زید بن ورقاء الحنفیّ، [4] وحكیم بن الطُفَیل السنبسی، [5] بعد أن أُثخن بالجراح فلم یستطع حراكاً!). [6] .


أمّا الخوارزمی فقد قال: (ثمّ خرج من بعده العبّاس بن علیّ أیّ من بعد أخیه عبداللّه وأمّه أمّ البنین أیضاً، وهو (السقّاء) فحمل وهو یقول:



أقسمتُ باللّه الاعزّ الاعظم

وبالحجون صادقاً وزمزم



وبالحطیم والفنا المحرَّم

لیخضبنَّ الیوم جسمی بدمی



دون الحسین ذی الفخار الاقدم

إمام أهل الفضل والتكرّم



فلم یزل یقاتل حتّی قتل جماعةً من القوم، ثُمّ قُتل، فقال الحسین: ألان انكسر ظهری وقلّت حیلتی!). [7] .

أمّا ابن شهرآشوب السروی فقال: (وكان عبّاس السقّاء قمر بنی هاشم، صاحب لواء الحسین، وهو أكبرالاخوان، مضی یطلب الماء، [8] فحملوا علیه




وحمل هو علیهم وجعل یقول:

لاأرهب الموتَ إذا الموت رقی [9] .

حتی أُواری فی المصالیت لقا [10] .



نفسی لنفسی المصطفی الطهر وقا

إنی أنا العبّاس أغدو بالسقا



ولاأخاف الشرَّ یوم الملتقی

ففرّقهم، فكمن له زید بن ورقاء الجهنی من وراء نخلة، وعاونه حكیم بن طفیل السنبسی فضربه علی یمینه [11] فأخذ السیف بشماله، وحمل علیهم وهو یرتجز:



واللّهِ إنْ قطعتُم یمینی

إنّی أُحامی أبداً عن دینی



وعن إمام صادق الیقینِ

نجل النبیّ الطاهر الامینِ



فقاتل حتّی ضعف، فكمن له الحكیم بن الطفیل الطائی من وراء نخلة فضربه


علی شماله [12] فقال:



یا نفسُ لاتخشی من الكفّار

وأبشری برحمة الجبّارِ



مع النبیّ السیّد المختار

قد قطعوا ببغیهم یساری



فأصلهم یا ربّ حرَّ النّارِ

فقتله الملعون بعمود من حدید). [13] .



ومن الجمیل فی ساحة عزاء أبی الفضل (ع) أن نورد هذه الفقرةالحزینة الرائعة التی جادت بها روح المرحوم المحقّق السیّد المقرّم، الطافحة بالولاء لاهل البیت (ع)، قال رحمه اللّه:


(وسقط علی الارض ینادی: علیك منّی السلام أبا عبداللّه! فأتاه الحسین (ع)، ولیتنی علمتُ بماذا أتاه؟ أبحیاة مستطارة منه بهذا الفادح الجلل؟ أم بجاذب من الاخوّة إلی مصرع صنوه المحبوب؟

نعم، حصل الحسین (ع) عنده، وهو یبصر قربان القداسة فوق الصعید قد غشیته الدماء وجللّته النبال! [14] فلایمین تبطش، ولامنطق یرتجز، ولاصولة تُرهب، ولاعین تبصر، ومرتكزالدماغ علی الارض مبدَّد!!

أصحیحٌ أنّ الحسین (ع) ینظر إلی هذه الفجائع ومعه حیاة ینهض بها؟

لم یبق الحسین بعد أبی الفضل إلاّ هیكلاً شاخصاً مُعرّی عن لوازم الحیاة، وقد أعرب سلام اللّه علیه عن هذا الحال بقوله: ألان انكسرظهری، وقلّت حیلتی!



وبان الانكسار فی جبینه

فاندكّت الجبال من حنینه



وكیف لا؟ وهو مجال بهجته

وفی محیّاه سرور مهجته



كافل أهله وساقی صبیته

وحامل اللوا بعالی همّته [15] .



ورجع الحسین إلی المخیّم منكسراً حزیناً باكیاً، یكفكف دموعه بكمّه، وقد تدافعت الرجال علی مخیمه فنادی: أما من مغیث یُغیثنا؟ أما من مجیر یجیرنا؟ أما من طالب حقّ ینصرنا؟ أما من خائف من النّارفیذبّ عنّا؟ [16] فأتته سكینة وسألته عن عمّها، فأخبرها بقتله! وسمعته زینب فصاحت: وا أخاه وا عبّاساه، وا ضیعتنا بعدك! وبكین النسوة وبكی الحسین معهن وقال: واضیعتنا بعدك!!). [17] .



[1] مرت بنا ترجمة مختصرة وافية له صلوات الله عليه في الفصل الثاني.

[2] مقتل الحسين عليه السلام للمقرّم: 225.

[3] الاخبار الطوال: 257.

[4] يمضي في بعض المصادر ان اسمه زيد بن رقاد الجهني «او الجنبي» (راجع: مقاتل الطالبيين: 90) و تذكرة الخواص: 229 و ترجمة الامام الحسين عليه السلام و مقتله من القسم غيرالمطبوع من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد: 75).

وفي كتاب ذوب النضار: 120 قال الشيخ ابن نما (ره):«واحضر - اي مختار - زيد بن رقاد فرماه بالنبل و الحجارة واحرقة».

[5] في كتاب ذوب النضار: 119 قال الشيخ ابن نمار (ره): «ثم بعث - اي مختار - عبدالله بن كامل الي حكيم بن الطفيل السنبسي، و كان قد اخذ سلب العباس ورماه بسهم، فاخذوه قبل وصوله الي المختار، ونصبوه هدفاً، ورموه بالسهام.».

[6] الارشاد: 2: 109-110، وفي مثيرالاحزان،: 71- قال ابن نما (ره): ثم اقتطعوا العباس عنه، و احاطوا به من كل جانب وقتلوه، فبكي الحسين عليه السلام لقتله بكاء شديداً»، وانظر كذلك اللهوف: 170.

[7] مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي: 34:2 و انظر: الفتوح: 207:5.

[8] قال العلامة المجلسي (ره): «اقول: وفي بعض تاليفات اصحابنا ان العباس لما راي وحدته عليه السلام اتي اخاه و قال: يا اخي هل من رخصة؟ فبكي الحسين عليه السلام بكاء شديداً ثمّ قال: يا اخي انت صاحب لوائي، واذا مضيت تفرّق عسكري! فقال العباس: قد ضاق صدري وسئمت من الحياة، و اريد ان اطلب ثاري من هولاء المنافقين.

فقال الحسين عليه السلام: فاطلب لهولاء الاطفال قليلاً من الماء. فذهب العباس ووعظهم و حذّرهم فلم ينفعهم، فرجع الي اخيه فاخبره، فسمع الاطفال ينادون: العطش العطش!

فركب فرسه و اخذه رمحه والقربة و قصد نحو الفرات، فاحاط به اربعة آلاف ممن كانوا موكلين بالفرات، و رموه بالنبال، فكشفهم وقتل منهم علي ما روي ثمانين رجلا حتي دخل الماء، فلما ارد ان يشرب غرفة من الماء ذكر عطش الحسين و اهل بيته، فرمي الماء و قال علي ما روي:



يا نفس من بعد الحسين هوني

وبعده لاكنت ان تكوني



هذا الحسين وارد المنون

وتشربين بارد المعين



تالله ما هذا فعال ديني

وملا القربة، و حملها علي كتفه الايمن، و توجه نحو الخيمة، فقطعوا عليه الطريق، و احاطوا به من كل جانب، فحاربهم حتي ضربه نوفل الازرق علي يده اليمني فقطعها، فحمل القربة علي كتفه الايسر، فضربه نوفل فقطع يده اليسري من الزند، فحمل القربة باسنانه فجاء، سهم فاصاب القربة و اريق ماؤها، ثم جاءه سهم آخر فاصاب صدره، فانقلب عن فرسه وصاح الي اخيه الحسين ادركني! فلما اتاه راه صريعا، فبكي و حمله الي الخيمة...». (البحار: 45: 41-45).

[9] وفي بعض المصادر: (زقا): اي صاح.

[10] المصاليت: جمع مصلات، و هو الرجل السريع المتشمر، و المصلات مبالغة من الصالت: و هو من الرجال: الشجاع الماضي، و من السيوف: الصقيل الحادّ.

[11] في ابصار العين: 62- «فضربه حكيم بن طفيل الطائي السنبسي علي يمينه فبراها فاخذ اللواء بشماله..».

[12] في ابصار العين: 62-63: «فضربه زيد بن ورقاء الجهني علي شماله فبراها، فضم اللواء الي صدره كما فعل عمّه جعفر اذ قطعوا يمينه و يساره في مؤته، فضم اللواء الي صدره و هو يقول:



الاترون معشر الفجار

قد قطعوا ببغيهم يساري



فحمل عليه رجال تميمي من ابناء ابان بن دارم فضربه بعمود علي راسه فخرّ صريعا الي الارض، و نادي باعلي صوته: ادركني يا اخي!

فاتقض عليه ابو عبدالله كالصقر فرآه مقطوع اليمين و اليسار، مرضوخ الجبين، مشكوك العين بسهم، مرتثاً بالجراحة، فوقف عليه منحنياً، و جلس عند راسه يبكي حتي فاضت نفسه، ثم حمل علي القوم فجعل يضرب فيهم يمينا و شمالا، فيفرون من بين يديه كما تفر المعزي اذا شد فيها الذئب و هو يقول: أين تفرّون و قد قتلتم اخي!؟ اين تفرون و قد فتتم عضدي!؟ ثم عاد الي موقفه منفردا، و كان العباس آخر من قتل من المحاربين لاعداء الحسين عليه السلام، و لم يقتل بعده الا الغلمان الصغار من آل ابي طالب الذين لم يحلموا السلاح».

[13] مناقب آل ابي طالب عليهم السلام 108:4 - ويلاحظ ان البلاذري في كتابه انساب الاشراف: 406:3 يقول: «و قال بعضهم قتل حرملة بن كاهل الاسدي ثم الوالبي العباس بن علي بن ابي طالب مع جماعة و تعاوروه، وسلب ثيابه حكيم بن طفيل الطائي.».

[14] في كتاب الحدائق الورديه: 120- «ورموه (العباس) حتي لم يبق قدرالدرهم من جسده الا وفيه سهم!».

[15] هذه الابيات الثلاثة من ارجوزة آية الله الشيخ محمد حسين الاصفهاني.

[16] راجع: المنتخب للطريحي: 312.

[17] مقتل الحسين عليه السلام: 269-270.